تونس (الشروق
خالد عباس في جمعية القضاة بقوة الشخصية وعدم التنازل عن مصالح القضاة عرف بصدامه مع عبد العزيز بن ضياء من أجل
تمسكه بالدفاع عن زملائه من مكتب 2009 وتشديده على اعلام أعلى هرم السلطة بحقيقة ما يجري داخل الساحة القضائية.استضفناه ليحدثنا عما يجري داخل ساحة القضاء والحملة التي تستهدف القضاة وخفاياها.
سي خالد لندخل مباشرة في صلب ما يقع الآن داخل الساحة القضائية وتحديدا هذه الاتهامات المتصاعدة للقضاء ودعوات تطهيره من الفساد كرئيس شرفي لجمعية القضاة التونسيين، من أي زاوية تنظرون الى هذه المسألة؟
ـ قبل الغوص في هذه «الحملة الممنهجة» لضرب القضاء وجب التساؤل أولا حول من يقف وراءها، ويؤطرها ويدفعها من الخلف حتى تظهر للعيان كرغبة شعبية في حين ان باطن الأمور، يكشف عن تورط عديد الأطراف في هذه المؤامر ةالتي تستهدف السلطة القضائية وحتى أكون واضحا في هذه المسألة، فإني أؤكد ان جمعية القضاة التونسيين مع مجموعة من المحامين وأحزاب سياسية وجمعيات ومنظمات والحكومة وكذلك للاعلام نصيب في هذه الحملة التي تميزت بالتشكيك في استقلال القضاء ونزاهة القضاة والطريف ان هذه الحملة تقودها أطراف تلوثت أقوالهم وتشريعاتهم وأياديهم وأفعالهم بسرقة ونهب ثروات البلاد والقهر وظلم ومغالطة العباد فالواضح ان من يقفون وراء هذه الحملة بعثوا تكتلات وشكلوا تحالفات وكل ذلك بغاية تجنب التتبعات وتعطيل المحاكمات.
ثم اني أتساءل ألم يكن حريا طرح ملفات فساد في هيئات ومنظمات أخرى أو شخصيات أخرى، على غرار محامين أساتذة جامعيين وما منحوه من شهائد جامعية مزيفة بعض الاشخاص المعروفين والصناديق الاجتماعية (أين تذهب أموالها) الصفقات العمومية رجال الأعمال ولاة سفراء مجلسا النواب والمستشارين والمجلس الدستوري والاعلام كل ذلك ترك جانبا وتفرغ الجميع لرفع شعار تطهير القضاء فقط! اذ و من ثم السماح لأنفسهم بالتعدي على هيبة وسمعة القضاء والقضاة.
فأين كانت مواقف هؤلاء سابقا من أحداث قفصة، بن قردان وتنقيح الدستور لعديد المرات وغلاء المعيشة والمناطق المحرومة والبطالة.
لكن المكتب الحالي يصفكم بالانقلابي وقبل ذلك ألا يمكنكم العودة بنا الي خفايا ما حدث سنة 2005؟
ـ قبل الخوض في ما حدث سنة 2005، أود العودة الى ما قبل مؤتمر 2004 الذي انبثق عنه مكتب 2005 فالجميع يعلم أني كنت مترشحا للمؤتمر لكني قررت سحب ترشحي احتجاجا على القانون الأساسي للقضاة الذي أعد أسابيع قبل المؤتمر وكنت أظن ان زملائي سيحتجون بدورهم على ذلك القانون، لكن للأسف تميز موقفهم بالسلبية وربما الانتهازية الانتخابية.
وما حدث سنة 2005 يتمثل في اندلاع أزمة داخل المكتب التفنيذي آنذاك، فانشق عنه أربعة أعضاء واتّسعت رقعة الأزمة لتصبح بين المكتب التنفيذي وعموم القضاة، مما دفع بأكثر من ألف ومائتي قاض وقاضية الى المطالبة بعقد جلسة عامة خارقة للعادة بتاريخ 10 جويلية 2005. عندها شعر باقي أعضاء المكتب التنفيذي بخطورة الموقف فدعا بدوره الى جلسة خارقة للعادة بتاريخ 3 جويلية 2005. وفي هذا الاطار أريد أن أؤكد على أن الأسباب التي تقف وراء ما حدث سنة 2005 تعود بالأساس الى اعتماد سياسة الاقصاء والاستبداد بالرأي وعدم قبول الرأي المخالف، وكذلك رفض الدفاع عن مصالح القضاة، وأعود الى الجلسة لأشير الى حضور قرابة 700 قاض. الا أن تعمّد رئيس الجمعية عدم الاستماع الى الحاضرين وعدم البتّ في رغبتهم في اجراء مؤتمر استثنائي. دعا القضاة المتبقين الى الامضاء على لائحة سحب ثقة من المكتب التنفيذي وتشكيل هيئة مؤقتة تتولى ادارة شؤون الجمعية وتولّت لاحقا تنظيم مؤتمر استثنائي في ديسمبر 2005 لمدّة عام فقط، وإني أتحدّى في هذا الاطار، أحمد الرحموني إن كان قادرا على اطلاع الجميع على تسجيل لوقائع جلسة 3 جويلية 2005 وحقيقة ما حصل خلالها، حيث لم يخل معظم كلام الرحموني من المديح والشكر للرئيس السابق أمام مرأى ومسمع الحاضرين. وأشير الى أن الفصل 10 من القانون الاساسي للجمعية يتيح للمجلس الوطني رفت عضو أتى عملا يضرّ بماديات وأدبيات الجمعية، فما بال الأمر إذا تعلّق بجلسة عامة خارقة للعادة تعتبر سيّدة قرارها؟
ولكنه يبقى «المكتب الشرعي» الذي عانى الكثير من الظلم؟
إن المبدأ المعمول به أنه لا شرعية تعلو على شرعية الانتخابات وما يفرزه الصندوق الانتخابي ولكن وللأسف لا وجود لشرعية لمكتب أحمد الرحموني سوى شرعيتين فقط، الاولى شرعية المحامين والثانية شرعية الحكومة.
هم يتحدثّون عن شرعية نضالية فالاولوية تكون في هذا الاطار لجمعية القضاة الشبان الذين عانوا الأمرّين في ثمانينات القرن الماضي ولا يزال عدد منهم مباشرين لمهنتهم ثم هناك شخصي المتواضع، حيث يعلم الجميع بأني أقصيت من مؤتمر 2006، وطالتني حملة ثلب وتشويه لسمعتي وتهديدي بالعزل والمحاكمة. والخصم من راتبي، واحالتي على التفقدية لعديد المرات وكل ذلك نتيجة صمودي في الدفاع عن القضاة، وعن الرحموني ومن معه، حيث تدخلت لتغيير نقلته من تطاوين الى المهدية وهو يعلم ذلك جيدا، فضلا عن الرسالة التي أعددتها الى الرئيس السابق، وحاولت إيصالها له لشرح وضعيات زملائي وعديد المشاكل التي تعيشها المؤسسة القضائية، وهو ما كان سببا في خلق صدام بيني وبين عبد العزيز بن ضياء، لتنطلق حملة شعواء ضدّي انتهت بنقلتي الى الكاف.
كما وجب التذكير بأن هذا المكتب يعمل بأربعة أعضاء فقط، وتستقبله الحكومة وهو غير مكتمل الشرعية، وهنا أطالب الزميلة وسيلة الكعبي بتحديد موقفها بخصوص عضويتها من عدمها خاصة أنها أمضت معهم على بلاغات ولوائح تعتبر باطلة.
وأعود للتأكيد على أنه لا شرعية تعلو على شرعية الانتخاب وإني أتحدى أحمد الرحموني ان كان قادرا على تنظيم مؤتمر للجمعية والترشّح، وليكشف لنا صندوق الانتخابات حجمه الحقيقي بين القضاة.
تحدّثتم بطريقة فيها شيء من الاتهام الموجه الى الاعلام، فما رأيكم في وضع الإعلام بعد الثورة؟
للأسف لا وجود لاعلام حرّ ومستقل يسعى الى كشف الحقائق وتقديم الرأي والرأي المخالف، هناك تجاوز وتعدّ على حرية التعبير وعلى مفهوم الديمقراطية وهناك تشهير بالأشخاص وثلب وشتم في عدّة برامج تلفزية وإذاعية دون أدلة وكلها جرائم سكت عنها الجميع بل ربما رحبوا بها تشفيّا وانتقاما. وما نلاحظه أنّ اعلامنا تتحكم فيه أطراف معيّنة وأضحى موجها ومسيّسا، من ذلك عدم توجهه الى ملفات حساسة على غرار ما وقع بين 14 و15 جانفي والقناصة وغيرها من المسائل الهامة المطروحة كالمناطق المحرومة وتفشي ظاهرة البطالة.
تحدثت عن المحامين وإمكانية وقوف عدد منهم وراء الحملة على القضاء ودورهم في «تنصيب» مكتب أحمد الرحموني... ربما كلامك عنهم مبني على نجاحهم في «تشريع» مشروع القانون المنظم لمهنتهم؟
ما من شك أنّ قانون مهنة المحاماة كان في حاجة الى عديد التعديلات الجوهرية وقد لاقى معارضات من القضاة وعدّة قطاعات أخرى... وما راعنا إلاّ ووقع تمريره وإيداعه بالرائد الرسمي في ظرف اتسم بتصاعد وتيرة الحملة على القضاء في ظرف أسبوعين اثنين فقط. بدءا بالحديث عن القائمات من طرف الجمعية والحكومة لتدلو بدلوها باقي الأطراف في هذه المؤامرة والغاية هي تمرير القانون دون أن تكون الأنظار مركزة عليه وبعد تعهد رئيس الحكومة أمام ممثلي القضاة وفي خطابه الأخير بعدم النظر في عدد من القوانين نظرا للصبغة الانتقالية للحكومة، في حين أن المرسوم كان قد أمضي بعد!!
وكان من الممكن تجنب كامل تداعيات القانون لو أجري حوار بين كافة أطراف الأسرة القضائية الموسعة باعتبارهم جميعا مساعدين للقضاء وهذه التداعيات ولّدت اتهامات وحملات من محامين على القضاة دون أن تحرّك هيئتهم ساكنا والأخطر من هذا كله أن المحامين ومن ورائهم هيئتهم يجاهرون ويتباهون بكونهم هم الذين نصبوا أعضاء جمعية القضاة التونسيين وفرضهم على القضاة تحت غطاء «شرعية» لا وجود لها قانونا وواقعا.
وفي رأيي المتواضع، فإني «أشتم» رائحة «صفقة» بين ما بقي من مكتب جمعية القضاة وهيئة المحامين هدفها الصمت عن تمرير قانون المحاماة مقابل أشياء ستكشفها لنا الأيام القادمة.
لا حديث هذه الأيام إلا عن القائمات للقضاة الفاسدين؟
أريد أن ألاحظ في هذا الاطار أنه لا شرعية للحكومة بأن تفوّض جمعية القضاة في إعداد قائمة تخص ما يسمى بالقضاة الفسادين ولا شرعية للجمعية في أن تعد مثل هذه القائمات باعتبارها تخرج عن اطار صلاحياتها. فبقدر إيماني بمساواة الجميع أمام القانون وحرصي على وجوب محاسبة كل من حامت حوله الشبهات بقدر تمسكي بتطبيق مبدإ المواجهة وتوفير الضمانات القانونية لكل مظنون فيه أو متهم حتى تثبت إدانته وأنا أرفض تماما الحديث عن قائمات في جميع القطاعات وليس القضاء فقط.
وفي هذا الاطار فإني أشدّد وأؤكد على أن السيد أحمد الرحموني يعتبر المسؤول الأول عن جميع القائمات التي وقع اعدادها وافتعالها وتسريبها للرأي العام بعد وضعها على موقع الجمعية وذلك بقصد تشويه سمعة القضاة والمسّ من شرفهم وكرامتهم. وسيتحمل كل شخص أو جهة ساعدته أو ساهمت في ترويج مثل تلك القائمات المسؤولية التاريخية والقانونية تجاه السلطة القضائية.
إزاء هذه الأوضاع، ماهي الحلول التي ترونها للخروج بالقضاء من المأزق الذي تردى فيه؟
أدعو الى ضرورة اجراء انتخابات جديدة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء المنتخبين خلال شهر سبتمبر وبعث جهاز أمني دائم بمختلف المحاكم وضرورة اسراع الجمعية لاجراء مؤتمر استثنائي ودعوة القضاة الى اجتماع عام في بداية شهر سبتمبر والطعن في مرسوم المحاماة. كما أطالب جميع القضاة على مختلف رتبهم واختصاصهم بأن يمارسوا صلاحياتهم بمسؤولية وشجاعة وتتبع كل من خوّلت له نفسه التعدّي على هيبة القضاء وشرف القضاة. وأن يبادروا بتحريك الدعوى العمومية لتوجيه التهم ضدّ كل مشبوه فيه مهما علا شأنه.
وأدعو إلى تنظيم مؤتمر استثنائي لجمعية القضاة لأننا لسنا في حاجة الى أعضاء جمعية «منصّبين» انحرفوا عن أهداف الجمعية مثلما حصل سنة 2005 وتخلوا عن واجب الحياد والتحفظ ورحبوا بكل وصاية وتدخل في شؤونهم ونطالبهم بعقد المؤتمر في أقرب وقت وإلاّ فإننا نضطر الى الاعلان عن تأسيس جمعية جديدة ممثلة للقضاة بحق.
بماذا تختمون هذا الحديث؟
أريد أن أقول للجميع، إن اللّه سبحانه وتعالى منّ علينا من فضله واختارنا لنباشر أشرف المهن، لذلك فنحن مؤمنين بجسامة الأمانة التي نحملها، صامدين إزاء كل حملات التشكيك والتشويه، رافضين لكل شكل من أشكال الوصاية خفية كانت أم معلومة عازمين على أداء واجبنا بكل نزاهة وحياد واستقلال غايتنا في ذلك ايصال الحقوق الى أصحابها وتحقيق العدالة المنشودة وكسب مرضاة اللّه واطمئنان النفوس وراحة الضمير والبال. وليكن في علم شعبنا العزيز أننا نتعرض الى مؤامرة سخيفة، لكننا مصرّون على تحقيق الأهداف التي
قامت من أجل الثورة المباركة ووعد منا أن يكون القانون سيفا مسلطا على الجميع.
سليم العجرودي