Voici l'interview paru dans le journal algérien Al Khabar du 15/10/2012
تونس قبل 14 سبتمبر غير تونس بعد أحداث السفارة الأمريكية
يقدم الوزير الأول التونسي السابق، باجي قايد السبسي، ورئيس حركة ''نداء تونس''، المنافس لحركة النهضة، في حوار لـ''الخبر''، قراءته للوضع الراهن في تونس، والمتغيرات الداخلية عشية نهاية الفترة الانتقالية المحدّدة في 23 أكتوبر الجاري، ويشرح سعي حركة النهضة للسيطرة على مفاصل الدولة.
كيف يمكن تقييم الوضع السياسي والاقتصادي في تونس عشية انتهاء المرحلة الانتقالية في 23 أكتوبر الجاري؟
تونس تمتاز بوضع خاص. نحن في وضع أفضل من كثير من الدول العربية، وفي ظرف انتقالي وفي حكومة وقتية. كنا نطمح أن تكون المرحلة الانتقالية أقصر، حتى نتمكن من انتخاب حكومة تكون لها كامل الصلاحيات لإدارة الدولة والمجتمع. الحكومة الحالية ليست في خدمة تونس، لكن لها أجندة أخرى غير أجندة المجتمع التونسي. نحن انتخبنا المجلس التأسيسي كي يحضر دستورا في مدة لم تتجاوز سنة، وهذه المدة تنتهي يوم 23 أكتوبر. لكن الهدف لم يتحقق، فأصبحنا في وضع استثنائي وبات علينا إيجاد حل، في ظل شرعية التوافق، لأن الشرعية الانتخابية تنتهي عند هذا التاريخ. لا أتمنى أن نفهم خطأ، لأننا لا ندعو إلى الفراغ بعد 23 أكتوبر، ولمصلحة تونس علينا ألا نقع في فراغ، لأن الفراغ أخطر من الوضع غير القانوني. لذلك، علينا أن نتوجه إلى شرعية توافقية، تشارك فيها كل الحساسيات السياسية.
ما هو السيناريو الذي تقترحونه لما بعد 32 أكتوبر من أجل الخروج من المرحلة الانتقالية سريعا؟
المهمة الأولى يجب أن نضبط الأجندة الانتخابية، حتى لا يبقى التضارب واضحا، ثانيا يجب تفعيل الهيئة العليا للانتخابات من أجل بدء التحضير، لأن الهيئة المستقلة لا تعطي أكثر ضمان وأكثر شفافية، وفقا للتجربة التي أشرفت عليها حين كنت وزيرا أول في 23 أكتوبر .2011 كانت انتخابات أكثر شفافية، وبقدر كبير من النزاهة، ونتائجها كانت مقبولة من قبل الجميع. الحكومة الحالية كان لديها 10 أشهر لتأسيس هذه اللجنة، لكن لم تشكلها، وبالتالي لن نقبل أن تنظم الحكومة أو وزارة الداخلية الانتخابات لأنها مسيّسة. كما يجب وضع قانون انتخاب جديد وفقا للدستور الجديد، الذي يجب أن يتم إعداده قبل الانتخابات.
ما هو التاريخ الذي تقترحونه لانتخاب أول مجلس تشريعي كامل بعد الثورة؟
نحن واقعيون وموضوعيون، مادامت اللجنة المستقلة للانتخابات لم يتم اجتماعها وتأسيسها، لذا ليس لدينا وقت محدّد، لأنه لم تتأسس حتى الآن الهيئة المشرفة على الانتخابات، ولم يقع التوافق على تاريخ معيّن. المفروض أننا نحتاج إلى ثمانية أشهر من أجل تنظيم انتخابات وفقا للمقاييس الدولية المعمول بها في الديمقراطيات، وليس انتخابات تحت الطاولة.
تتهمون حركة النهضة بالسعي للسيطرة على مفاصل الدولة من أجل البقاء في الحكم، كيف يمكن أن تشرح ذلك؟
بالتأكيد النهضة تسعى إلى السيطرة، هذا واضح من خلال التعيينات في المراكز والأجهزة الحساسة والوظائف والوزارات، هناك تصريح صدر عن الغنوشي قال فيه إن الجيش والشرطة غير موثوق فيهما، وفي هذا التصريح استند الغنوشي إلى تجربة الجزائر في عام 1992 عندما تم وقف المسار الانتخابي على الجبهة الإسلامية للإنقاذ. النهضة تحاول أن تستنهض همّتها للإسراع في القبض على كل المفاصل في الانتخابات المقبلة. الحكومة جربت ولم تنجح، حتى لا أقول إنها فشلت. ونحن لا نطالب بأن تتخلى النهضة عن الحكم، لكن يجب أن تشغل الوزارات السيادية، كالدفاع والداخلية والخارجية والعدل، شخصيات وطنية محايدة، ليس لها أي لون حزبي.
أثار تصريح راشد الغنوشي، بأن نداء حركة ''نداء تونس'' أخطر من السلفية، الكثير من الجدل، كيف تعلق على هكذا تصريح؟
الغنوشي هو الذي يجب أن يشرح هذا الكلام للناس، وهو الذي يجب أن يقول لماذا نحن أخطر من السلفية، هذا شكل من أشكال العنف السياسي الذي تمارسه النهضة ضدنا، لأنه عندما يقول رئيس حركة النهضة هذا الكلام، فهو دعوة صريحة من الغنوشي لأتباعه وللسلفيين لتحريضهم ضدنا. الغنوشي قال إن السلفيين منا وهم أولادنا ولم يأتوا من المريخ ويجب محاورتهم، وأنا أستغرب كيف يدعو الغنوشي الذي يزعم أنه رجل حوار واعتدال للحوار مع السلفيين ويرفض الحوار مع حركة نداء تونس.
توجه لكم تهمة إعادة رسكلة التجمّع الدستوري المحل من خلال حركة ''نداء تونس''، كيف تردّون على هذه التهمة؟
هذه كلمة باطلة تعبّر عن تخوّف النهضة من حركة ''نداء تونس''. نحن لا نرسكل التجمّع، ولا يوجد أي من الـ39 شخصا من اللجنة التأسيسية ممن كان في اللجنة المركزية في التجمّع الدستوري، هذا يدخل في سياق الحرب النفسية والادّعاءات السياسية التي تعبّر عن تخوّف من يطلقونها من مشروعنا السياسي، ومحاولة لإخافة الناس منا. نحن لسنا بصدد إعادة التجمّع، لأن التجمّع حزب حلّ وأصبح في حكم التاريخ.
هل أنتم مع إقصاء التجمعيين وكوادر نظام بن علي على طريقة اجتثاث البعث في العراق؟
لا.. نحن ضد الإقصاء، ولن نقبل به لا مبدأ ولا ممارسة. التجمّع حزب حلّ، وبقي الأفراد، لا نستطيع أن نأخذ قرارا جماعيا ونعاقب الجميع بهذه الطريقة، والتجمعيين فيهم الصالح وفيهم الطالح، وبالنسبة لنا، القضاء هو الفيصل، ومن كان له أي سلوك مشين خلال الفترة والعهد السابق، يتوجب أن يقصيه القضاء، وليس الرجل السياسي. ذكرت سابقة العراق وحزب البعث، وهناك أيضا سابقة في مصر، كان هناك قانون يقصي من شارك في حكومة مبارك، والمحكمة الدستورية العليا أبطلت الحكم وشارك الجميع في الحكم، الله لم يخلق تونس وحدها في العالم. هناك تجارب عرفناها تاريخيا، وعلينا أن نأخذ العبرة منها، ومحاولة إقصاء التجمعيين هو في الحقيقة إقصاء للشعب التونسي من إبداء رأيه. وعندما أقول إنه لا يجب إقصاؤهم، لا أقول إنه يجب أن يعودوا إلى الحكم بالضرورة، لكن يجب أن نترك الحكم للصندوق، وهو الذي يعيدهم أو يمنعهم من العودة.
هل لديكم استعداد للحوار مع النهضة في حال ما عرض عليكم ذلك؟
نحن مستعدون للحوار مع أي طرف، بما فيها النهضة، نحن نريد قوة الحجة، وهم يريدون حجة القوة، على العكس تماما، هم من يرفضون الحوار معنا. يجب أن يكون واضحا أن النهضة طرف فاعل في المشهد السياسي في تونس، لكنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنفرد بالحكم لوحدها، ويجب أن تشرك معها كل القوى الوطنية.
نشرت عمليات سبر آراء تعطي الأفضلية مجدّدا لحركة النهضة للفوز بالانتخابات المقبلة. برأيك، إلى أي مدى هذه التقارير واقعية؟
نحن نحترم الصندوق، إذا أعطاهم الغالبية، فمرحبا وسنقبل بهم، لكن لا نعطي أحكاما مسبقة. نحن ندعم مشاركة كل الأطراف السياسية، بما فيهم التجمعيين، لا لأننا نحب التجمعيين، ولكن لأن أي تونسي مواطن، ولديه الحق الدستوري في المشاركة في العملية السياسية، وإذا أقصيته، فكأنك نزعت عنه الجنسية.
هناك من يرى أن الصراع بينكم وبين النهضة واجهة لصراع فرنسي ـ أمريكي على تونس، ما رأيكم؟
الذين يقولون هذا الكلام لا يعرفوننا. الجزائريون يعرفوننا جيّدا. نحن وطنيون، وكافحنا الاستعمار الفرنسي، ودفعنا الثمن كما دفعه أشقاؤنا في الجزائر، ضريبة الدم، ولا نقبل أن نكون وكلاء لاستعمار جديد بأي طريقة كانت.
يلاحظ في تونس، الآن، بروز ظاهرة السلفية بشقيها، العلمية والمتشدّدة، هل تخيفكم الظاهرة؟
السلفية في تونس امتداد لحركة النهضة، وراشد الغنوشي يقول إنهم أبناؤنا، وهو نفسه كان سلفيا. الحقيقة أننا وقعنا ضحية مغالطة من قبل النهضة، أخطأنا فيهم، كنا نعتقد أن النهضة والغنوشي معتدلين ووسطيين، لكن عندما وصلوا إلى الحكم، انقلبوا وانكشف وجههم الحقيقي. نلاحظ معاملة خاصة بين النهضة والسلفيين، وأكاد أقول إن النهضة شجعت السلفيين، ولم يصدّوهم عن العنف. أنتم في الجزائر حسمتم موضوع السلفية، الأخ الغنوشي تأسف على وقف المسار الانتخابي في الجزائر عام 1992، لأن ظهره كان مسنودا من قبل السلفيين في الجزائر.
تقصد مساندته للجبهة الإسلامية للإنقاذ آنذاك؟
تماما، لأنه كان يعتقد أنها ضربة جاءته في الظهر خلال تلك الفترة، لكن لا أعتقد أن التجربة الجزائرية المريرة يمكن أن تتكرّر في تونس. وأعتقد أن الشعب التونسي، وبعد 50 سنة من بناء دولة عصرية ومدنية، لا يقبل أن يعود من القرن 21 إلى القرن .14
لكن أحداث الهجوم على السفارة الأمريكية أثـرت على صورة تونس في الخارج؟
بالتأكيد، أستطيع أن أقول إن تونس قبل 14 سبتمبر 2012 غير تونس بعد 14 سبتمبر .2012 صورة تونس، الآن، مشوّشة في الخارج وسيئة جدا، ويلزمنا عمل كبير لإعادة تصحيح هذه الصورة، وتغيير السياسات، وتغيير سلوك بعض الجماعات في تونس.
في ظل هذا المناخ، هل لديكم تخوّف على وضع الحريات المدنية؟
أكيد، الحريات مستهدفة، لكن هناك مقاومة وصمود من قبل المجتمع المدني، وفي مقدمته الجمعيات النسائية والصحف.
هل تفكر في الترشح للانتخابات الرئاسية؟
لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال الآن، المستقبل عند الله. نحن مؤمنون حقيقيون، والإسلام ليس إسلام النهضة ولكن إسلام كل الشعب التونسي، ونحن أصحاب عقيدة. ولذلك، أترك القرار لله، وإذا كانت هناك انتخابات رئاسية، سنرشح الأسلم والأنفع فينا، وليس لدينا زعامات سماوية.
بعد سنتين من ثورة الياسمين في تونس وبداية ثورات الربيع العربي، ماذا أنتجت هذه الثورات لشعوبها؟
برأيي، ليس هناك ربيع عربي، كانت هناك بداية لربيع تونسي، كما نعتقد أن ثورة تونس غير قابلة للتصدير، لأن الثورة في تونس كانت من قبل شباب لا ايديولوجيا لهم ولا زعامة ولا تأثير خارجي عليهم، وقلنا حينها إن الثورة في تونس غير معدّة للتصدير، يعني أنه يجب أن تنجح في تونس اقتصاديا واجتماعيا. ونجاح الثورة ليس في إعلان سقوط النظام، وإنما في الخواتم، وهذا ما عملت على شرحه لأمريكا وللدول الثمانية الكبرى في القمم التي شاركت فيها.
شرفنا أننا جنّبنا البلد حمام دم، ووضعناها في الطريق السوي، وقمنا بانتخابات. والحكومة التي جاءت بعدنا، حكومة النهضة، كان عليها أن تواصل الطريق، وكان علينا أن نقنع العالم أنه لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية، ولذلك وثقت في النهضة عندما كنت أعتقد أنها حزب معتدل، لكنها تعثـرت وتعثـر معها الانتقال الديمقراطي.
في مصر أيضا الاستقرار الراهن ظرفي، وإذا كان أحد يعتقد أن مصر ستكون ضد التطبيع، فهو مخطئ. لا مصر ولا أنا ولا أي كان يستطيع أن ينادي الآن بتجريم التطبيع. مصر مكبلة باتفاقيات كامب ديفيد، وليس من مصلحتها، حتى الآن، أن تنفك من هذه الاتفاقية، بسبب المعونة التي تقدمها لها الولايات المتحدة سنويا، والمقدّرة بـ6, 1 مليار دولار. ولأن اتفاقية كامب ديفيد مشروطة بكونها اتفاقية أعلى من كل الاتفاقيات، فإن الربيع العربي مهدّد بخريف وشتاء قاسيين.